تعقد الأمم المتحدة في كل عام مؤتمرها المعني بقضايا تغيير المناخ، بحضور نحو 197 دولة لمناقشة سبل الحد من تغير المناخ، والذي يعد جزءاً من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية.

وشهدت مدينة غلاسكو، أكبر مدن اسكتلندا، المؤتمر السادس والعشرون منذ دخول المعاهدة حيز التنفيذ في 21 آذار/ مارس 1994، واستمر من 31 أكتوبر إلى 12 نوفمبر الحالي.

الغازات الدفيئة

الغازات الدفيئة عبارة عن غازات موجودة في الغلاف الجوي لكوكب الأرض، تتميز بقدرتها على امتصاص الأشعة تحت الحمراء التي تطلقها الأرض فتحتفظ بها وبالتالي ترفع درجة حرارة الهواء، وبذلك يقلل من ضياع الحرارة من الأرض إلى الفضاء مما يجعلها تساهم في تسخين جوِّ الأرض، ومن دون الغازات الدفيئة سيكون متوسط درجة حرارة سطح الأرض حوالي (-18) درجة مئوية  بدلاً من المتوسط الحالي البالغ (15) درجة مئوية.

ويؤكد الخبراء أنه في حال ارتفعت درجة حرارة كوكب الأرض بمقدار ْ1.5 درجة مئوية مقارنة بدرجة الحرارة التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعية، فإن الكثير من التغييرات التي طرأت على الكوكب تصبح دائمة ولا رجعة فيها، وتكون الإنسانية أمام كارثة مناخية لا تحمد عقباها، وذلك بارتفاع نسبة الغازات الدفيئة.

دخان المصانع و تأثيره على الغلاف الجوي للأرض

دور العمارة المعاصرة

ولكن ما علاقة كل ما سبق بنمط العمارة المعاصرة؟، وهل لها دور فعال في تخفيض انبعاث الغازات الدفيئة، وزيادة إنتاج الطاقة المتجددة؟

أجريت العديد من الدراسات والأبحاث حول أسباب الاحتباس الحراري وطرق علاجه وأثره على الإنسانية ككل، وأهمية تكاتف البشرية لحل هذه المشكلة.

ومن ضمن المجالات التي تم البحث بها العمارة وأنماطها المختلفة، حيث يؤثر الطراز المعماري للمباني على معدل الانبعاثات التي يمكن التخفيف منها بتقنيات بسيطة لها عائد اقتصادي على المدى البعيد، وذلك بالاعتماد على توليد الطاقة من مصادرها المختلفة.

ومن هنا جاء مفهوم العمارة المستدامة، والذي يتلخص بالحفاظ على الموارد بنفس الكفاءة والفاعلية على المدى الطويل، وحفظ حق الأجيال القادمة في الموارد وخصوصاً غير المتجدد منها، وتقليل انبعاثات المباني والتي تعتبر من أعلى وأهم مسببات المشاكل البيئية.

العمارة الخضراء

ومن الطرق العمرانية التي تساهم بالحفاظ على البيئة “العمارة الخضراء” وكيفية التكامل بين المبنى والبيئة المحيطة وكيف يتم تلافي تأثير هذه الكتلة الخرسانية الصماء على البيئة المحيطة وذلك من خلال التركيز على العناصر النباتية الهامة في هذا المجال وموازنة الخلل البيولوجي في أي نظام بيئي، ويظل مناخ المنطقة هو المؤثر الأكبر حتى بالرغم من أهمية العوامل الحياتية الأخرى مثل الحياة الحيوانية، الحياة النباتية، والتربة.

Photo by Ricardo Gomez Angel on Unsplash

استخدام العمارة الخضراء في المباني للتقليل من الاحتباس الحراري

العمارة الصديقة للبيئة

كما بدأت الأنظار تتجه نحو نمط “العمارة الصديقة للبيئة” نظراً للوضع الراهن والأزمات الاقتصادية المتلاحقة وتذبذب أسعار النفط ونقص مخزون موارد الطاقة غير المتجددة.

ومن ثم التوجه إلى كيفية جعل مثل تلك المباني صديقة للبيئة وذلك عن طريق استخدام مصادر الطاقة المتاحة حيث تقلل من استهلاك الطاقة بقدر الإمكان مما يؤدي إلى مستقبل مستدام. ومن هنا جاء مفهوم ناطحات السحاب البيومناخية Bio Climatic Skyscrapers وهي ناطحات شُكلت هيئتها البنائية عن طريق التصميم واستخدام تقنيات الطاقة المتجددة لربط مناخ الموقع وبيانات الأرصاد الجوية مما ينتج عنها مباني عالية متفاعلة مع البيئة من حيث استهلاك أقل للطاقة.

مباني صديقة للبيئة تستخدم ألواح الطاقة

مباني صديقة للبيئة تستخدم مصادر الطاقة

العمارة الديناميكية

وتعتبر العمارة الديناميكية أحد أنواع العمارة الخضراء والعمارة المستدامة بسبب توليدها الذاتي للطاقة، ويتم توليد الطاقة الكهربائية عن طريق الطاقة الحرارية الناتجة من المبنى، كما تحاول السلطات في بلدان مختلفة في الدول الصناعية وضع حد أدنى من اشتراطات ومعايير الاستدامة للمباني القائمة، فيما تطبق جميع المباني الجديدة تلك المعايير المتعلقة بالعزل الحراري، أو إعادة استخدام المياه الناتجة عن المكيفات وغيرها.

أحد أنواع العمارة الديناميكية والمستدامة يعمل على التوليد الذاتي للطاقة

أحد أنواع العمارة الديناميكية والمستدامة يعمل على التوليد الذاتي للطاقة

المدن الذكية

وتم التوجه لإنشاء المدن الذكية، لتقييم كفاءة استهلاك الطاقة والمياه في تلك المدن وتعتمد على معايير الأداء الموضوعي، حيث يمكن استخدام النظام لتقييم كافة أنواع المباني، كالمباني التجارية والسكنية والصناعية والرياضية والصحية والفندقية والتعليمية وغيرها من الأبنية التي تطبق معايير الاستدامة.

وعلى مر السنين ، دفع مفهوم “المدن الذكية” الحكومات إلى التفكير في أحدث التقنيات التي وعدت الشركات بأنها ستساعد في القضاء على متاعب الحياة الحضرية وجعل المدن أكثر كفاءة.

كما حاول صنّاع القرار والسياسات من تسخير إمكانات الحلول القائمة على التطبيقات وإنترنت الأشياء، حيث توفر المستشعرات كميات كبيرة من البيانات التي يمكنهم استخدامها لاتخاذ قرارات أفضل وقدرة أكبر على التكيف.

بناء المستشعرات في المدن الذكية للمساعدة في اتخاذ القرارات

بناء المستشعرات في المدن الذكية للمساعدة في اتخاذ القرارات

المدن الذكية في السعودية.. إبداع معرفي ريادي

ساهم النمو السكاني والحضري والتقدم التقني والمعلوماتي في دفع المملكة العربية السعودية نحو التفكير لإنشاء مدن ذكية، سيما وأن رؤية المملكة 2030 تضمنت تحويل مدن المملكة إلى مدن ذكية، ومؤخراً أعلنت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان عن اختيار خمس مدن سعودية للبدء في تحويلها لمدن ذكية خلال الفترة المقبلة وهي: مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والرياض، وجدة، والدمام.

وفي شهر يناير 2021 أطلق ولي العهد السعودي ورئيس مجلس إدارة شركة نيوم الأمير محمد بن سلمان، مشروع The Line وهو جزءاً من NEOM، بقيمة 500 مليار دولار، لبناء شبكة من المدن الذكية التي لن يكون فيها أي سيارات أو طرق. ويُطلق على تلك الشبكة من المدن الذكية اسم The Line، وذلك نظراً لتنظيمها للمجتمعات المستقبلية الشديدة الارتباط.

ويوفر المشروع حلولاً فائقة السرعة للمواصلات، مما يسهل التنقل، إلى جانب المركبات الذاتية القيادة، والتخطيط الحضري الذي يضمن أن المرافق الأساسية، مثل: المدارس والعيادات الطبية، لا تبعد أكثر من خمس دقائق سيراً على الأقدام.

البنية التحتية لمشروع The Line في نيوم

ومن المفترض أن يعيش مليون شخص داخل مدينة The Line، التي تمتد لمسافة 170 كيلومتراً على ساحل البحر الاحمر، وتعمل بالطاقة النظيفة بنسبة 100%.

وتُعد هذه المدينة أحد مشاريع البنية التحتية الأكثر تعقيداً وتحدياً في العالم، ومن المفترض أن يبدأ البناء في هذا الربع الأخير من العام 2021، وهو مشروع مصمم لإيجاد 380 ألف وظيفة و عائد 180 مليار ريال سعودي (48 مليار دولار) في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.

ولعل كل ما سبق يدل على الدور الذي تلعبه المدن الذكية في تقليل الانبعاثات الدفيئة المسؤولة عن الاحتباس الحراري، عبر استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتكاملة لدعم الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتحسين جودة ونوعية الحياة السكانية.